فصل: تفسير الآية رقم (68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عصمة بن مالك الخطمي قال «كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} فترك الحرس».
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: «لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار، نزل ذات الرقاع بأعلى نخل، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه فقال غورث بن الحرث: لأقتلن محمدًا فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له أعطيني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به. فأتاه فقال: يا محمد، اعطني سيفك أشمه، فأعطاه إياه فرعدت يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حال الله بينك وبين ما تريد، فأنزل الله: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} الآية».
وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة قال «كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد، من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يمنعني منك، ضع عنك السيف فوضعه، فنزلت {والله يعصمك من الناس}».
وأخرج أحمد عن جعدة بن خالد بن الصمة الجشمي قال: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل فقيل: هذا أراد أن يقتلك. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الم ترع؟.. ولو أردت ذلك لم يسلطك الله عليّ».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سيكفيه الناس ويعصمه منهم، وأمره بالبلاغ، وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قيل له: لو احتجت فقال: «والله لا يدع الله عقبي للناس ما صاحبتهم».
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: «لما نزلت {يا أيها الرسول} إلى قوله: {والله يعصمك من الناس} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحرسوني إن ربي قد عصمني».
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن شقيق قال «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعقبه ناس من أصحابه، فلما نزلت {والله يعصمك من الناس} فخرج فقال: يا أيها الناس الحقوا بملاحقكم فإن الله قد عصمني من الناس».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يحرس يحارسه أصحابه حتى أنزل الله: {والله يعصمك من الناس} فترك الحرس حين أخبره أنه سيعصمه من الناس».
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلًا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه اعرابي فاخترط سيفه، ثم قال: من يمنعك مني؟ قال: الله، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثرت دماغه، فأنزل الله: {والله يعصمك من الناس}».
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يهاب قريشًا، فأنزل الله: {والله يعصمك من الناس} فاستلقى، ثم قال: من شاء فليخذلني مرتين أو ثلاثًا».
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن الربيع بن أنس قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرسه أصحابه حتى نزلت هذه الآية {يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك...} الآية. فخرج إليهم فقال: لا تحرسوني فإن الله قد عصمني من الناس». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
وقوله: {مَا} يحتمل أن تكون اسميةً بمعنى «الَّذِي» ولا يجوز أن تكون نكرةً موصوفةً؛ لأنه مأمورٌ بتبليغ الجميعِ كما مَرَّ، والنكرةُ لا تَفِي بذلك؛ فإن تقديرها: «بَلِّغْ شَيْئًا أُنْزِلَ إليْكَ»، وفي {أُنْزِلَ} ضميرٌ مرفوعٌ يعودُ على ما قام مقام الفاعلِ، وتحتملُ على بُعْدٍ أن تكون {مَا} مصدريَّةً؛ وعلى هذا؛ فلا ضمير في {أُنْزِلَ}؛ لأنَّ «مَا» المصدرية حرفٌ على الصَّحيح؛ فلابد من شيءٍ يقومُ مقامَ الفاعلِ، وهو الجارُّ بعده؛ وعلى هذا: فيكونُ التقديرُ: بَلِّغِ الإنْزَالَ، ولكنَّ الإنزالَ لا يُبَلَّغُ فإنه معنى، إلا أن يُراد بالمصدر: أنه واقعٌ موقع المفعول به، ويجوز أن يكون المعنى: «اعلم بتبليغ الإنْزَالِ»، فيكونُ مصدرًا على بابه.
والمعنى أظهر تَبْلِيغَهُ، كقوله تعالى: {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94].
قوله تعالى: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، أي: وإنْ لم تفعل التبليغ، فحذف المفعول به، ولم يقل: «وإن لم تبلّغْ فما بلّغتَ» لما تقدَّم في قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ} في البقرة [آية: 24]، والجوابُ لابد أن يكون مغايرًا للشرط؛ لتحصُل الفائدةُ، ومتى اتَّحدَا، اختلَّ الكلامُ، لو قلتَ: «إنْ أتَى زيدٌ، فقدْ جَاءَ»، لم يَجُزْ، وظاهرُ قوله: «وإنْ لَمْ تَفْعَلْ، فما بَلَّغْتَ» اتحادُ الشرطِ والجزاء، فإن المعنى يَئُولُ ظاهرًا إلى قوله: وإن لم تفعل، لم تفعل، وأجاب الناسُ عن ذلك بأجوبةٍ؛ أسَدُّها: ما قاله الزمخشريُّ، وقد أجاب بجوابَيْنِ:
أحدهما: أنه إذا لم يمتثلْ أمر اللَّهِ في تبليغِ الرِّسالاتِ وكتَمَها كُلَّها؛ كأنه لم يُبْعَثْ رَسُولًا- كان أمرًا شنيعًا لا خَفَاء بشناعته، فقيل: إنْ لم تُبَلِّغْ أدنَى شيء، وإن كلمةً واحدةً، فكنْتَ كمَنْ رَكِبَ الأمر الشنيعَ الذي هو كتمانُ كُلِّهَا، كما عَظَّمَ قَتْلَ النفْسِ في قوله: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعًا} [المائدة: 32].
والثاني: المراد: وإنْ لَمْ تَفْعَلْ ذلك، فلك ما يُوجِبُ كتْمَانَ الوَحْي كلِّه من العقابِ، فوضَع السَّبَبَ مَوْضِعَ المُسَبِّبِ؛ ويؤيده: «فأوْحَى الله إليَّ: إنْ لَمْ تُبَلِّغْ رسَالاَتِي، عَذَّبْتُكَ».
وأجاب ابن عطية: أي: وإنْ تركْتَ شيئًا، فقد تركْتَ الكلَّ، وصار ما بَلَّغْتَ غيرَ معتدٍّ به، فمعنى {وإنْ لَمْ تَفْعَلْ}: «وإنْ لَمْ تَسْتَوْفِ»؛ ونحوُ هذا قولُ الشاعر: [الطويل]
سُئِلْتَ فَلَمْ تَبْخَلْ، وَلَمْ تُعْطِ نَائِلًا ** فَسِيَّان لا حَمْدٌ عَلَيْكَ وَلاَ ذَمُّ

أي: فلم تُعْطِ ما يُعَدُّ نَائِلًا، وإلاَّ يتكاذَبِ البيتُ، يعني بالتكاذُب أنه قد قال: «فَلَم تَبْخَلْ» فيتضمَّن أنه أعطى شيئًا، فقوله بعد ذلك: «ولَمْ تُعْطِ نَائِلًا» لو لم يقدِّر نَائِلًا يُعْتَدُّ به، تكاذَبَ، وفيه نظرٌ؛ فإن قوله: «لَمْ تَبْخَلْ وَلَمْ تُعْطِ» لم يتواردا على محلٍّ واحد؛ حتَّى يتكاذَبا، فلا يلزمُ من عدمِ التقدير الذي قدَّره ابن عطية كَذبُ البيت، وبهذا الذي ذكرتُه يتعيَّنُ فسادُ قولِ مَنْ زعَمَ أنَّ هذا البيتَ مِمَّا تنازعَ فيه ثلاثةُ عواملَ: سُئِلْتَ وتَبْخَلْ وتُعْطِ، وذلك لأن قوله: «وَلَمْ تَبْخَلْ» على قولِ هذا القائلِ متسلِّطٌ على طائِل، فكأنه قيل: فلم تَبْخَلْ بطائلٍ، وإذا لم يبخَلْ به، فقد بذله وأعطاه، فيناقضُه قوله بعد ذلك «ولَمْ تُعْطِ نَائِلًا».
وقد أفسد ابنُ الخطيب جواب ابنِ عطيَّة فقال: «أجَابَ الجمهُور بإنْ لَمْ تُبَلِّغْ وَاحِدًا مِنْهَا، كُنْت كَمَنْ لَمْ يُبَلِّغْ شَيْئًا»، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ مَنْ ترك البعضَ وأتَى بالبعض، فإن قيل: إنه ترك الكلَّ، كان كذبًا، ولو قيل: إن مقدار الجُرْمِ في ترك البعْضِ مثلُ الجرم في ترك الكل، فهذا هو المُحالُ الممتنعُ؛ فسقط هذا الجوابُ، والأصحُّ عندي: أن يقال: خرج هذا الجوابُ على قانون قوله: [الرجز]
أنَا أبُو النَّجْمِ وشِعْرِي شِعْرِي

ومعناه: أنَّ شِعْرِي قد بلغَ في الكمالِ والفصَاحَةِ والمتانَةِ إلى حيْثُ متى قيل: إنه شِعْري، فقد انتهى مدحُه إلى الغايَةِ التي لا يُزَادُ عليها، وهذا الكلامُ يفيد المبالغةَ التامَّةَ من هذا الوجهِ، فكذا هنا، كأنه قال: فإن لم تبلِّغْ رسالاتِه، فما بلَّغْتَ رسالاته، يعني: أنه لا يمكنُ أن يوصَفَ ترْكُ التبليغِ بتهديدٍ أعظمَ من أنه ترك التبليغ، فكان ذلك تنبيهًا على غايةِ التهديد والوعيد.
قال أبو حيان: وما ضعَّفَ به جوابَ الجُمْهور لا يُضَعَّفُ به؛ لأنه قال: «فإنْ قيل: إنه تركَ الكُلَّ، كان كذبًا»، ولم يقولوا ذلك، إنما قالوا: إنَّ بعضها ليس أوْلَى بالأداء مِن بعضٍ، فإن لم تُؤدِّ بعضها، فكأنَّك أغْفَلْتَ أداءَها جميعَها، كما أن مَنْ لم يؤمِنْ ببعضها كان كَمَنْ لم يؤمنْ بكلِّها؛ لإدلاءِ كلٍّ منها بما يُدْلِي به غيرُها، وكونُها كذلك في حكْمِ شيءٍ واحدٍ، والشيءُ الواحدُ لا يكون مبلَّغًا غير مبلَّغ، مُؤمَنًا به غيرَ مؤمنٍ به؛ فصار ذلك التبليغُ للبعضِ غير معتدٍّ به، قال شهاب الدين: وهذا الكلام الأنِيقُ، أعني: ما وقع به الجواب عن اعتراضِ الرَّازِيِّ كلامُ الزمخشري أخَذَه ونقله إلى هنا، وتمامُ كلام الزمخشريِّ: أن قال بعد قوله: «غَيْرَ مُؤمَنٍ»، وعن ابن عبَّاسٍ- رضي الله عنه-: «إنْ كَتَمْتَ آيَةً لَمْ تُبَلِّغْ رِسَالاَتِي»، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بَعَثَنِي الله بِرِسَالاتِهِ، فَضِقْتُ بِهَا ذَرْعًا، فأوْحَى الله إلَيَّ: إنْ لَمْ تُبَلِّغْ رِسَالاتِي، عَذَّبْتُكَ وضَمِنَ لِي العِصْمَةِ؛ فقَوِيتُ»، قال أبو حيَّان: «وأما ما ذكر من أن مقدار الجُرْمِ في تَرْكِ البعْضِ مثلُ الجُرْم في ترك الكلِّ مُحالٌ ممتنعٌ، فلا استحالة فيه؛ لأن الله تعالى أن يرتِّب على الذنْبِ اليسيرِ العقابَ العظيمَ، وبالعكس، ثم مَثَّلَ بالسارقِ الآخِذِ خفيةً يُقْطَعُ ويُرَدُّ ما أخَذَ، وبالغاصبِ يُؤخَذُ منه ما أخذ دونَ قَطْعٍ».
وقال الواحديُّ: أي: إنْ يَتْرُك إبلاغَ البعْضِ، كان كَمَنْ لَمْ يُبَلِّغْ؛ لأنَّ تَرْكه البعضَ مُحْبِطٌ لإبلاغِ ما بلَّغَ، وجُرْمَهُ في كتمانِ البعضِ كجُرْمِهِ في كتمان الكلِّ؛ في أنه يستحقُّ العقوبة من ربِّهِ، وحاشا لرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أن يكتُمَ شيئًا مِمَّا أوْحَى الله تعالى إليه، وقد قالت عائشةُ- رضي الله عنها-: «مَنْ زَعَمَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا من الوحْي، فقَدْ أعْظَمَ عَلى الله الفِرْيَةَ، والله تعالى يقول: {يا أيها الرسول بَلِّغْ}، ولو كَتَم رسُول الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا من الوحْيِ، لَكَتَمَ قولَهُ تعالى: {وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] الآية»، وهذا قَريبٌ من الأجوبة المتقدِّمة؛ ونظيرُ هذه الآيةِ في السؤالِ المتقدِّم الحديثُ الصحيحُ عن عُمر بن الخطَّاب- رضي الله تعالى عنه-: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتَهُ إلى الله ورسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى الله ورسُولِه» فإنَّ نفس الجواب هو نفسُ الشرطِ، وأجابوا عنه بأنه لابد من تقديرٍ تحْصُلُ به المغايرةُ، فقالوا: تقدِيرُهُ: فمنْ كانَتْ هجرتُهُ إلى الله ورسُولِهِ نيَّةً وقصْدًا فهجرتُه إلى الله ورسُولِهِ حُكْمًا وشَرْعًا، ويمكنُ أن يأتِيَ فيه جوابُ الرَّازِيِّ الذي اختاره.
وقرأ نافعٌ وابن عامر وعاصمٌ في رواية أبي بَكْر: {رِسَالاَتِهِ} جَمْعًا، والباقون: {رِسَالَتَهُ} بالتوحيد، ووجهُ الجمْع: أنه عليه السَّلام بُعِثَ بأنْواعٍ شتَّى من الرسالة؛ كأصول التوحيد، والأحكام على اختلاف أنواعها، والإفرادُ واضحٌ؛ لأنَّ اسمَ الجنس المضافَ يَعُمُّ جميعَ ذلك، وقد قال بعض الرسُلِ: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي} [الأعراف: 62]، وبعضُهم قال: {رِسَالَةَ رَبِّي} [الأعراف: 79]؛ اعتبارًا للمعنيين. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (68):

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أمر سبحانه بالتبليغ العام، أمره بنوع منه على وجه يؤكد ما ختمت به آية التبليغ من عدم الهداية لمن حتم بكفره، ويبطل- مع تأكيده- هذه الدعوى: قولهم: نحن أبناء الله وأحباءه، فقال مرهبًا لهم بعد ما تقدم من الترغيب في إقامته: {قل يا أهل الكتاب} أي من اليهود والنصارى {لستم على شيء} أي سارّ أو يعتد به من دنيا ولا آخرة، لأنه لعدم نفعه لبطلانه لا يسمى شيئًا أصلًا {حتى تقيموا} أي بالعمل بالقلب والقالب {التوراة والإنجيل} وما فيهما من الإيمان بعيسى ثم بمحمد عليهما الصلاة والسلام بالإشارة إلى كل منهما بالخصوص بنحو ما تقدم في الإشراق من ساعير والظهور ممن فاران، وبالإشارة بالعموم إلى تصديق كل من أتى بالمعجز، وصدق ما قبله من منهاج الرسل {وما أنزل}.
ولما كان ما عندهم إنما أوتي إليهم بواسطة الأنبياء، عداه بحرف الغاية فقال: {إليكم من ربكم} أي المحسن إليكم بإنزاله على ألسنة أنبيائكم من البشارة بهما، وعلى لسان هذا النبي العربي الكريم مما يصدق ما قبله، فإنهم يعلمون ذلك ولكنهم يجحدونه.
ولما كان السياق لأن أكثرهم هالك، صرح به دالًا بالعطف على غير معطوف عليه أن التقدير: فليؤمنن به من أراد الله منهم، فقال: {وليزيدن كثيرًا منهم} أي ما عندهم من الكفر بما في كتابهم {ما أنزل إليك من ربك} المحسن إليك بإنزاله {طغيانًا} تجاوزًا شديدًا للحد {وكفرًا} أي سترًا لما دل عليه العقل.
ولما كان صلى الله عليه وسلم شديد الشفقة على خلق الله، سلاّه في ذلك بقوله: {فلا} أي فتسبب عن إعلام الله لك بذلك قبل وقوعه ثم عن وقوعه كما أخبر أن تعلم أنه بإرادته وقدرته، فقال لك: لا {تأس} أي تحزن {على القوم الكافرين} أي على فوات العريقين في الكفر لأنهم لم يضروا إلاّ أنفسهم لأن ربك العليم القدير لو علم فيهم خيرًا لأقبل بهم إليك، والحاصل أنه ختم هذه الآية بمعلول الآية التي قبلها، فكأنه قبل: بلغ، فإن الله هو الهادي المضل، فلا تحزن على من أدبر. اهـ.